الشاعر الجزائري الذي ٱمن بنضال أهل الريف وكتب لهم نشيدهم الرسمي
لا يوجد من الشعراء ولا حتى من السياسيين من هو مؤمن بوحدة المغرب العربي أكثر من الشاعر الجزائري والمناضل الثائر مفدي زكريا، والذي لا يعد شاعر الجزائر فقط بل هو شاعر المغرب العربي الكبير، وهو ليس شاعر الثورة الجزائرية فقط، بل هو أيضا شاعر الثورة في تونس وشاعر الثورة في المغرب.
لقد انعكس النضال السياسي للشاعر مفدي زكرياء على شعره الذي يكون قد تلون منذ البداية بالثورة والتمرد ضد الاستعمار الذي جثم على صدر الوطن العربي، وخاصة في الجزائر وتونس والمغرب، ولذلك فقد كان الشاعر يدعو إلى الثورة ضد المحتل أينما حل وارتحل، من الجزائر إلى تونس إلى المغرب، فلم يكن يترك مناسبة تمر من غير أن يكتب قصيدة ثورية من أجل إذكاء حماس الجماهير، وهو ما كان يكلفه السجن أو النفي أو الوضع تحت الرقابة.
لم يكن مفدي زكرياء يتجاوز السادسة عشر من العمر، وبالضبط في عام 1925م، عندما نشر أوّل قصيدة له تحت عنوان “إلى الريفيّين”، وكان ذلك في جريدة لسان الشعب بتاريخ 6 ماي 1925م وجريدة الصواب التونسيّتين لتنشرها أيضا الصحافة المصرية بعد ذلك وخاصة جريدة اللواء وجريدة الأخبار. ولقد حدث ذلك بمناسبة ثورة الريف في شمال المغرب بقيادة المجاهد الكبير محمد بن عبد الكريم الخطابي المعروف بزعيم ثورة الريف، وهي الثورة التي أبلى فيها الريفيون البلاء الحسن وقد لقن هؤلاء الثوار الجيش الإسباني أروع الدروس في الكفاح المسلح من أجل الحرية والاستقلال.
ولقد تمكن القائد محمد بن عبد الكريم الخطابي من تأسيس جمهورية الريف والتي أصبحت تشكل خطرا على الإسبانيين والفرنسيين معا، فتحالف الإثنان فيما بينهما وبدعم من الطابور الخامس من قبائل المخزن من أجل القضاء على ثورة الريفيين وعلى جمهوريتهم الناشئة، وما كان يتحقق ذلك للأعداء لولا مساعدة الخونة، فخمدت ثورة الريف ونفي قائدها محمد بن عبد الكريم الخطابي خارج البلاد لينتهي به المقام لاجئا سياسيا في مصر التي توفي ودفن بها.
ومهما يكن من أمر، فإن المجاهد العظيم محمد بن عبد الكريم الخطابي يعد من أهم رموز الحركة الوطنية الثورية الاستقلالية، ليس في المغرب فقط بل في الجزائر وتونس وكل الدول العربية التواقة إلى الاستقلال والحرية.
إن هذه القصيدة الثورية التي تحمل عنوان “إلى الريفيين” تحمل أيضا أكثر من دلالة وهي تعد وثيقة تاريخية ويكفي أنها قد تحولت إلى نشيد وطني يردده ثوار الريف في ذلك الوقت، وهي اليوم ممنوعة في المغرب ويعاقب كل من يردد هذا النشيد الوطني الريفي، وبذلك يكون الشاعر الجزائري الثائر مفدي زكرياء أول من ناصر الريف في الثورة والاستقلال والحرية.
يقول الشاعر مفدي زكريا في هذه القصيدة الثورية، أو في هذا النشيد الوطني الريفي:
أجِبريلُ هلّل بأيّ الظفر
وكبّرْ وخُطّ جليل الخبر
ورتّل على الجيش إن تنصروا
الله ينصركمُ ببلوغ الوطر
و أبلغْ رسول البرية أحمد
هادي الشريعة بادي البشر
بأنّ الهلال على أفقِ العزّ
والمجد بعد الأفول ظهر
هنيئا بنِي الريف قدْ فُتحت
لكمْ جنة الخلد من يبتدر
سلام (بني الريف) من مهج
تكاد تطير ولا تصطبر
نضالا نضالا (بني الريف) عن
تراث لكم عالي المدخر
أجيبوا أجيبوا نداء الضمير
ودعوة عظم رميم نخر
(بني الريف) من كان يهوى الحياة
يهون عليه ركوب الخطر
فعرش السعادة لا يبتنى
لقوم سوى فوق هام أخر
فكونوا الفداء وكونوا الضحايا
ليحيى الهلال، ويبقى الأثر
ونفس تظل بتاج الجلال
وتأبى لها غير هام القمر
تنادي بصوت الشهامة: تا الله
من يرض بالذل يوما كفر
وروح تفيض مع العبرات
غراما وحبا لشعب أغر
(كعبد الكريم) عظيم الحماة
ليحيى جليلا بذكر عطر
ويبقى مثالا على صحف
الدهر للعظماء بأي العصر