الإبتزاز الإلكتروني اخطر جرائم العصر
نحن نعيش اليوم عصر التكنولوجيا الرقمية التي دخلَت تفاصيل حياتنا كلها، خاصةً وسائل التواصل الاجتماعي التي اختصرَت المسافات، وجعلَت العالم قريةً صغيرة، وسهَّلَت علينا التواصل والتعارف وإقامة العلاقات الشخصية وتبادل الصور والمعلومات، ولكن لكل شيء إيجابيات وسلبيات، ولهذه التكنولوجيا سلبيات ومخاطر تتمثل بما يُعرَف بـ ” الابتزاز الإلكتروني”.
ما هو الابتزاز الإلكتروني؟
يُعَدُّ الابتزاز الإلكتروني أحد أخطر مشكلات ثورة التكنولوجيا الرقمية اليوم، ويُعرَف أنَّه:
عملية مساومة تتم عبر الإنترنت، قائمة على الترهيب والتحذير والتهديد من شخص يُسمى المُبتز، إلى شخص آخر يُسمى الضحية، وتحدث عملية الابتزاز هذه من خلال اختراق جهاز الضحية سواء جهازه المحمول أم حاسوبه الشخصي، وسرقة بياناته الشخصية وصوره الخاصة، وغالباً ما تكون مواقع التواصل الاجتماعي هي الوسيلة لهذا الاختراق؛ إذ يصل الشخص المبتز إلى الصور والبيانات الشخصية من خلال:
اختراق الحسابات الشخصية كـ “فيسبوك” و”انستغرام” (تهكير).
أو من خلال الضحية نفسها، عندما تُرسل صوراً غير لائقة لشخص غير موثوق، ويقوم باستغلالها وابتزازها.
أو قد يصل الشخص المبتز إلى الحسابات الشخصية للضحية من خلال إرسال روابط احتيالية على بريده الإلكتروني، أو رسائل على حسابه على مواقع التواصل الاجتماعي تطلب منه إدخال بياناته الشخصية، ليتمكن بعدها من تهكير حسابه، والاطلاع على كل محادثاته والصور والمعلومات الخاصة به.
أو من خلال استعادة محتويات الهاتف الجوال، وذلك بعد بيعه من قِبل صاحبه.
وأحياناً قد يكون وراء الابتزاز عصابة منظمة، يُحاول أفرادها الإيقاع بضحايا من الشباب والفتيات، وإغرائهم للوقوع في محادثات فاضحة.
ولا تتطلب هذه الجريمة الكثير من الأدوات، أو التخطيط لاصطياد الضحية، فكل ما يحتاج إليه المبتز هو صورة أو مقطع فيديو أو مقطعٍ صوتي، ليبتزهم ويُحيك خيوط جريمته ويصل إلى غايته.
يُعَدُّ الابتزاز الإلكتروني جريمةً يُعاقب عليها القانون، وهو جريمة مؤلمة لما يُلحقه من أضرار بالضحية وبسمعتها وبعائلتها، ويترك فيها آثاراً نفسية سلبية، ويجعلها تعيش في قلق وتوتر شديدَين، وتكره الاختلاط بالبشر وتفقد ثقتها بالآخرين، وقد يصل بها الأمر للتفكير بالانتحار خوفاً من أيَّة فضيحة اجتماعية أو عائلية؛ حيث تؤكد إحدى الدراسات أنَّ هناك علاقة قوية بين التعرض للابتزاز الإلكتروني والميل للتفكير بالانتحار، فبحسب تقارير للأمم المتحدة فإنَّ “7 من بين كل 10 مراهقين، تعرضوا لحوادث تنمُّر في مرحلة ما من حياتهم، ويُقدِم 1 من كل 3 أشخاص من ضحايا التنمر الإلكتروني على إيذاء أنفسهم، ويُقدِم 1 من كل 10 من بين هؤلاء على الانتحار بالفعل”.
تختلف عقوبة الابتزاز الإلكتروني من دولة لأخرى حسب نص القانون في هذه الدولة، ولكن عموماً ما تكون العقوبة بالحبس حسب حجم الضرر الذي ألحقه بالضحية.
أشهر أنواع الابتزاز الإلكتروني:
للابتزاز الإلكتروني أنواع عدَّة، وهي:
1. الابتزاز الإلكتروني المادي:
يعَدُّ الابتزاز الإلكتروني المادي من أشهر أنواع الابتزاز الإلكتروني، ويتم باختراق جهاز الضحية، وسرقة المعلومات والصور الخاصة به، ومن ثمَّ ابتزازه وتهديده بنشرها، فيدخل الضحية في دائرة الخوف، ويصبح على استعداد تام لتنفيذ طلباته ودفع ما يُريد، مقابل حذف الصور والمعلومات، فعادةً ما يطلب المبتز من الضحية مبلغاً من المال، وتحويله لحساب بنكي غير معروف، أو وضعه في مكان معيَّن دون الالتقاء به، حتى لا يترك احتماليةً لإلقاء القبض عليه، وغالباً ما يتكرر استغلال المبتز للضحية، وطلب المال لأكثر من مرة خلال فترات زمنية متعددة، مثلاً عام 2015، تمَّ سرقة بيانات 40 شركة أمريكية وتهديدها بنشر هذه البيانات ما لم تدفع ملايين الدولارات.
2. ابتزاز منفعة:
تكون الغاية من ابتزاز المنفعة، الحصول على منفعة معيَّنة من الضحية، كالحصول على خدمة منه أو شيء بعينه.
3. الإبتزاز الجنسي الالكتروني:
تُعَدُّ الفتيات غالبية ضحايا الابتزاز الجنسي الإلكتروني، وخاصةً الفتيات الصغيرات، لقلة الوعي وسهولة الإيقاع بهن، فيقعن ضحايا الكلام المعسول، ويثقن بالطرف الآخر الذي غالباً ما يوهمهن بالزواج، وتتهاونَّ في إرسال صورهن، ولكن فجأة تصحو تلك الفتيات على كابوس حقيقي، وهو تهديدهن من هذا الطرف بنشر ما بحوزته، أو بإرسالها إلى عائلتهن.
ويهدف المبتز في هذا النوع من الابتزاز، إلى استغلال الضحية جنسياً، فيطلب منها إرسال صور وتنفيذ طلبات مشبوهة، وللأسف غالباً ما تنصاع الضحية خوفاً منه، وقد يتمادى في الطلبات المؤذية، فيجلب الضحية إلى بيته بالغصب.
ماذا تفعل إذا تعرضت للابتزاز الالكتروني؟
في حال وقعتَ ضحيةً للابتزاز الإلكتروني، اتبع النصائح الآتية:
أول خطوة يجب القيام بها عند تعرُّضك للابتزاز الإلكتروني، هي ضبط الأعصاب والتروي، وعدم فقدان السيطرة أو الخوف، أو التصرف بشكل هيستيري غير مدروس، فهي مشكلة لها حل، ويتعرض الكثيرون يومياً للتهديد والابتزاز، ويتم حل مشكلاتهم ومعالجتها نهائياً.
أهم نصيحة يجب أن تفعلها في حال وقعتَ ضحيةً للابتزاز الإلكتروني، هي عدم التواصل مع المبتز نهائياً، وعدم الرد عليه، والدخول في مشادات كلامية، أو إظهار خوفك له، والطلب وترجِّيه ألا ينشر الصور، وحتى في حال رددتَ بلهجة عنيفة، قد تستفزه ويُنفذ تهديده فوراً، فعواقب الرد عليه وخيمة بكل أشكالها.
إخبار الأهل أو أي شخص مقرب لاستشارته، ليكون عوناً لك وداعماً عندما تخاف أو تضعف.
التعامل مع الأمر بهدوء وحكمة، وعدم الاستجابة لأي من طلباته، كدفع مبلغ من المال، أو إعطائه معلومات بطاقتك البنكية، فاستجابتك له ولو لمرة واحدة تفتح شهيته وتجعله يطلب المزيد.
لا تحذف المحتوى الذي يبتزك به، مهما كنتَ قلقاً منه، ولا رسائل تهديده؛ لأنَّك بذلك تحذف دليل إدانته.
يجب أن تقوم بحظر الشخص المبتز من حساباتك، على مواقع التواصل الاجتماعي، وتغيير كلمات المرور الخاصة ببريدك الإلكتروني وحساباتك.
من الضروري جداً الاتصال بالجهات المعنية، وهي وحدات “إدارة الجرائم الإلكترونية” الموجودة في كل دولة، والإبلاغ عن الشخص المبتز.
تذكَّر أنَّ الشخص المبتز هو شخص مريض نفسياً لا محالة، ويُعاني من عقدة ما، ويُريد إثبات القوة والسيطرة على الضحية، وهو شخص جبان، فهو يُهدد فقط، ومن النادر جداً أن يُنفذ تهديده؛ لأنَّه بذلك لن يحصل على مبتغاه المادي أو الجنسي، كما أنَّه يخشى المساءلة القانونية.
في حال قام المبتز بنشر أي محتوى، من أولى الخطوات التي يتوجب القيام بها هي إبلاغ إدارات مواقع التواصل الاجتماعي، لتقوم بقفل حسابه، وحجب ما تمَّ نشره؛ إذ تجدر الإشارة إلى أنَّ هذه المواقع تتعامل بدرجة عالية من الجدية والاهتمام عند إبلاغها أنَّك تعرَّضتَ للابتزاز.
احذف حساباتك كافةً على مواقع التواصل الاجتماعي مؤقتاً، ولا تترك له وسيلةً للتواصل معك.
أهم نصيحة يجب أن تلتزم بها هي إلغاء فكرة الرضوخ أو الاستسلام للمبتز نهائياً، فلا ترسل له أي مال أو صور أو تنفذ له أيَّة رغبة.
ما هي طرق الوقاية من الابتزاز الإلكتروني؟
– القيام بحملات توعية من قِبل الأهالي والمدارس والجهات المختصة حول الابتزاز الإلكتروني، خاصةً لجيل الأطفال والمراهقين.
– الحزم بعقوبة المبتز، والإعلان عنها دائماً، للتذكير بمصير من يبتز الآخرين.
– عدم قبول طلبات صداقة من أشخاص غير معروفين.
– عدم الرد على المحادثات من أشخاص مجهولين.
– التقليل من مشاركة المعلومات الشخصية على الإنترنت قدر الإمكان.
– تجنُّب إقامة محادثات الفيديو، إلا مع أشخاص تربطك بهم صلة وثيقة.
– عدم التواصل مع أشخاص لا تعرفهم، وفي حال تواصلتَ مع أحدهم، ابقَ متوخياً الحذر، ولا ترسل له أي صور خاصة مهما حاول طمأنتك.
– عدم الضغط على أي رابط مجهول يطلب بياناتك الشخصية؛ وذلك لأنَّه وسيلة لتهكير هاتفك، والوصول إلى صورك ومحادثاتك الخاصة.
– عدم مشاركة أيَّة معلومات صور أو فيديوهات حساسة مع أحد على الإنترنت، حتى لو كان شخصاً مقرباً وموثوقاً، خوفاً من تهكير حسابك وسرقتها.
– عدم الوثوق بمواقع البيع والشراء الوهمي، أو مواقع العمل عبر الإنترنت، أو المواقع المجهولة، والتأكد منها جيداً قبل إرسال بياناتك أو سيرتك الذاتية.
-حصِّن حساباتك على مواقع التواصل الاجتماعي بكلمات سرية قوية يصعب اختراقها، وضعها بعيدةً عن اسمك وتاريخ ميلادك، والأرقام المتتابعة 123456.
– لا يكفي أن تمسح صورك وبياناتك، والخروج من حساباتك على هاتفك الجوال قبل بيعه؛ بل يجب عليك عمل “فورمات” للجهاز، وقم أيضاً بتشغيل كاميرا الفيديو، ثمَّ اترك الجهاز في غرفة مظلمة، حتى تمتلئ ذاكرة الهاتف الداخلية تماماً، ويُغلق الهاتف الكاميرا تلقائياً، ثمَّ قم بحذف الفيديو، وبذلك يكون هذا الفيديو المظلم هو الشيء الوحيد الذي يجده أي شخص يُحاول استعادة محتويات الكاميرا، ولمزيد من التأكد والاطمئنان، يُمكنك استخدام موقع (Drfone) لاستعادة محتوى هاتفك، والتأكد أنَّه بالفعل تمَّ التخلص من الصور والفيديوهات كافةً.
– الاتصال بالرقم الأخضر بمصالح الأمن ( درك او شرطة) او التقرب لـ للشرطة المتخصصة في الجرائم الإلكترونية.
– كما يمكن اللجوء إلى الحل القانوني، وتوكيل محامٍ متخصص في قضايا الابتزاز الإلكتروني، لرفع قضية على المبتز وإدانته في القضاء، وإنزال العقوبة به.
في الختام، الوقاية خير من العلاج:
تنتشر اليوم جريمة الابتزاز الإلكتروني انتشاراً كبيراً؛ لذا يجب توخي كامل الحذر مع من نتعامل معهم في مواقع التواصل الاجتماعي، ويطَّلعون على حياتنا اليومية، ويجب أن نُحذر أولادنا من الوقوع في مصيدة المبتزين، وفي النهاية فإنَّ احتمال تعرضك للابتزاز الإلكتروني، يعتمد على درجة حرصك وانتباهك؛ لذا احتفظ بأسرارك لوحدك ولا تثق في أحد .