
نشرت مجلّة “فورين بوليسي – FP” الأمريكية الشهيرة، تقريراً مطولاً بخصوص التقارب التونسي الجزائري المتنامي. بعد استقبال تونس للرئيس الصحراوي، إبراهيم غالي، استقبالاً رسمياً، خلال انعقاد قمة “طوكيو” للتنمية بإفريقيا منذ أيام. وهو ما أثار حفيظة المغرب، وأدى إلى أزمة دبلوماسية بين البلدين.
وقال تقرير المجلة الذائعة الصيت، يحمل عنوان: “هل تخلّت تونس عن المغرب من أجل الجزائر ؟“. أطّلعت صحيفة “تادامسـا نيوز” الإلكترونية على فحواه، أنّ “موازين القوى في شمال أفريقيا آخذة في التحول. آخر إشارة إلى أن نجم الجزائر آخذ في الصعود – إلى جانب الطلب الأوروبي على غازها الطبيعي – مع تراجع النفوذ المغربي. كان قرار تونس ضم زعيم حركة استقلال الصحراء الغربية، “جبهة البوليساريو”، إبراهيم غالي، في مؤتمر استثماري. وهي خطوة على ما يبدو مصمّمة لكشكش الريش في المغرب”.
وأوضح التقرير أنّ “اقتحام المغرب لأراضي الجمهورية الصحراوية المتنازع عليها سنة 1973، بطريقة “دراماتيكية”، أجبر السكان الصحراويون الأصليين على النزوح نحو الحدود الجزائرية، والاستقرار إلى غاية اليوم في منطقة بالقرب من تندوف، بما يعرف ب”مخيمات اللاجئين الصحراويين“.
تونس تزداد قربًا من الجزائر على حساب المغرب
وأفادت المجلة أنّه “على مدى عقود، ظلت تونس تنظر إلى الأمام، وحافظت على موقفها الحيادي حيث كان كلا الجانبين يتنافسان على الهيمنة. ومع ذلك، فإن استقبال إبراهيم غالي، زعيم البوليساريو ورئيس الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية في مؤتمر طوكيو للتنمية في إفريقيا بتونس، والمنعقد جنبًا إلى جنب مع اليابان، يجعل هذا الحياد يصبح موضع تساؤل. علاوة على ذلك، بالنسبة للعديد من المراقبين، تؤكد الدعوة ما اشتبه فيه الكثيرون: أن “تونس تزداد قربًا من الجزائر”. ربما على حساب علاقاتها الوثيقة تاريخيًا مع المغرب. في حين أن علاقات الرباط مع اليابان، التي تتمتع تونس بعلاقة مزدهرة معها، ملقاة في شك”.
كما أضافت المجلة أنّ “استقبال الزعيم الصحراوي خلال المؤتمر من قبل الرئيس التونسي، قيس السعيد، بدا أنه قد فاجأ الكثيرين. ليس أقلهم المغرب، الذي سرعان ما أصدر رسائل غاضبة من جراء تصرف تونس. وتمّ سحب سفراء البلدين”.
وأشار التقرير أنّ “الرئيس التونسي ووزارة خارجيته أبديا الدهشة من ردة فعل المغرب، مستشهدين بأن توجيه الدعوة شمل كافة قادة الاتحاد الأفريقي، بمن فيهم الرئيس الصحراوي، إبراهيم غالي”. مضيفاً أنّ “الهدف النهائي لسعيد لا يزال مسألة تكهنات. ومع ذلك، مع إثبات الجزائر كمورد رئيسي للطاقة خلال الأزمة الاقتصادية التي لا نهاية لها في تونس على ما يبدو، مع تقديم الدعم الصريح لشرعية الرئيس، من المحتمل أن يكون النفوذ المتزايد للجزائر بارزًا في أفكار السعيد”.
وتناول تقرير المجلة الأمريكية الشهيرة، خلافات المغرب مع عدّة بلدان أوروبية بشأن مسألة الصحراء الغربية. على رأسها ألمانيا وإسبانيا، زادتها فضيحة التجسس الشهيرة باستخدام منظومة “بيغاسوس” الإسرائيلية تعقيداً أكثر”.
نهضة دبلوماسية جزائرية..
لكن أشارت إلى أنّه “في ديسمبر 2020، المغرب يقبل الإعتراف بإسرائيل ويخوض في تطبيع علاقاته معها مقابل موافقة واشنطن على الاعتراف رسميًا بالصحراء الغربية لفائدة المغرب. إلى جانب تصالحه إسبانيا وألمانيا، وكلاهما منتقد سابق لعلاقات المملكة مع الصحراويين. وذلك بدعم خطة الرباط لتأسيس شكل من أشكال الحكم شبه الذاتي داخل الأراضي الصحراوية. وهي خطوة قاومها الشعب الصحراوي، الذي أصر على إجراء استفتاء لتحديد المصير”.
وتابع تقرير “فورين بوليسي” قوله: “ومع ذلك، مع ارتفاع أسعار الغاز في أوروبا. تتمتع الجزائر – ثالث أكبر مورد للغاز لأوروبا (بعد روسيا والنرويج) والداعم الرئيسي لجبهة البوليساريو – “بنهضة دبلوماسية”. “كما يتمتع كل من السياسيين الأوروبيين ووسطاء النفوذ الإقليميين باهتمام متجدد تجاه الجزائر، ومن بينهم الرئيس التونسي”.
وأشار التقرير أنّ “زيارة قيس السعيد إلى الجزائر في جويلية الماضي، أدت إلى إعادة فتح الحدود البرية، التي تم إغلاقها قبل عامين لاحتواء انتشار COVID-19. ذلك ما سمح للأسر الجزائرية بالسفر إلى تونس ودعم قطاع السياحة المنكوبة هناك”. “كما تعتمد تونس أيضًا على الجزائر في الحصول على الغاز الخاص بها، حيث تشتريه بسعر مخفض، فضلاً عن تلقي إيرادات لنقل الغاز الجزائري عبر أراضيها، المتجه إلى صقلية ثم إلى بقية أوروبا”. يضيف.
إمدادات الغاز وضعت الجزائر كلاعب مهم في حوض المتوسط
وفي تعليقه على التقارب التونسي الجزائري المتنامي، قال رؤوف فرح، المحلّل البارز في Global Initiative ، لموقع “فورين بوليسي” أنّ. “الحرب في أوكرانيا وتأثيرها على أوروبا من حيث إمدادات الغاز تعيد وضع الجزائر كلاعب مهم في غرب البحر الأبيض المتوسط”. مضيفاً أنّ “الرباط قلقة اليوم بشأن هذا أكثر من قدرتها على الحصول على إمدادات الغاز بأسعار تنافسية. بعد إغلاق خط أنابيب [المغرب العربي – أوروبا] ، الذي كان يمد إسبانيا بالغاز عبر المغرب.”
وقالت المجلّة: “محنة الصحراويين هي واحدة من أطول أزمات اللاجئين في العالم. منذ عام 1975، لجأ آلاف الصحراويين إلى الصحراء الجزائرية، في انتظار فرصة العودة إلى ديارهم”.
وأضافت أنه “مع ثبوت الجزائر كمورد رئيسي للطاقة خلال الأزمة الاقتصادية في تونس، وتقديم الدعم الصريح لشرعية الرئيس، من المحتمل أن يكون النفوذ الجزائري المتصاعد بارزًا في أفكار الرئيس قيس السعيد”.
“وفي حين أن نفوذ الجزائر قد تعزز في الوقت الحالي، فإن مقدار الاختلاف الذي سيحدثه في النزاع الذي أثارته الحكومة الأمريكية “بطريقة دراماتيكية” في نهاية حكم إدارة دونالد ترامب لا يزال غير واضح، تقول “فورين بوليسي”. ونقلت المجلة عن جوناثان هيل، وهو مؤرخ من “كينجز كوليدج” لندن، قوله “إن مصير الصحراء الغربية والصحراويين، على مدار عقود، قد تحول من مشكلة واقعية إلى موقف سياسي. وعلى هذا النحو، يخاطر بأن يصبح صعب الحل”.
وتساءلت المجلة بشأن التقارب التونسي الجزائري المتنامي أكثر. بقولها: “إلى متى قد يستمر المحور التونسي “غير مؤكد” ؟. لتضيف: “ومع ذلك، فإن حقيقة قيام تونس بهذا المحور على الإطلاق تشير مباشرة إلى النظام الجديد الذي يتشكل الآن داخل المنطقة. – سواء استفاد الصحراويون من ذلك أم لا”.