عهد تواجد فرنسا بمالي إنتهى
انسحب، أمس، آخر جندي فرنسي من الأراضي المالية بعد تسع سنوات من تواجد عسكري، عرفت خلالها القوات الفرنسية انتكاسات متلاحقة كرست فشلها في أداء مهمتها في مكافحة الإرهاب الذي لا يزال يضرب بقوة في منطقة الساحل الإفريقي.
أعلنت قيادة أركان الجيوش الفرنسية، أمس، أنه “في هذا اليوم، عبرت آخر الوحدات العسكرية التابعة لقوة برخان الحدود ما بين مالي والنيجر”، التي تستقبل جزءا من القوات الفرنسية المنسحبة من مالي، وأضافت أنه “بعد تسع سنوات من التواجد، فإن قوة برخان خرجت من البلاد في أقل من ستة أشهر في تحدّ عسكري لوجيستي هائل تم بشكل سليم وآمن وشفافية تامة وبالتنسيق مع جميع الشركاء”.
وأكدت الرئاسة الفرنسية من جهتها، أن “فرنسا تبقى ملتزمة بأداء مهمتها في منطقة الساحل وخليج غينيا وبحيرة التشاد، بالتنسيق مع كل الشركاء الملتزمين بالاستقرار ومكافحة الإرهاب”.
وتواصلت عملية انسحاب الجنود الفرنسيين على مدار الستة أشهر الأخيرة بعد أن اضطرت فرنسا، مرغمة، على غلق قواعدها العسكرية في مدن شمال مالي بداية بميناكا ثم غوسي وغاو وتسليم مفاتيحها إلى الجيش المالي، تنفيذا لطلب السلطات الانتقالية المالية شهر فيفري الماضي من السلطات الفرنسية سحب قواتها دون تحديد أي موعد لذلك.
وردت حينها باريس، التي رضخت للأمر الواقع، بأنها ملتزمة بتنفيذ عملية الانسحاب بالتدريج خلال المدة الزمنية التي سبق وحدّدها الرئيس الفرنسي، ايمانويل ماكرون، من أربعة إلى ستة أشهر. وسبقت عملية انسحاب آخر جندي فرنسي من مالي إجراء مكالمة هاتفية بين الرئيس الانتقالي المالي، العقيد عاصمي غويتا، والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، والتي أكدت ملء روسيا للفراغ الأمني الذي يخلفه الانسحاب الفرنسي ومنع استغلال الجماعات الإرهابية ذلك لفرض منطقها العسكري.
ويؤرخ انسحاب القوات الفرنسية من مالي لنهاية عهد كانت فيه كلمة الفصل لفرنسا، التي نظرت دوما إلى دول منطقة الساحل الإفريقي على أنها تندرج ضمن مجالها الحيوي الذي يمنع لأي جهة أخرى اللعب فيه، قبل أن يتغير المعطى وتجد نفسها مرفوضة ليس فقط من قبل السلطات المالية وحتى من طرف شعوب دول المنطقة بلغ صداها مختلف دول الساحل.
وانسحب آخر جندي فرنسي، غداة تظاهر مئات الماليين بمدينة غاو، الواقعة شمال مالي، للمطالبة بتسريع وتيرة انسحاب القوات العسكرية الفرنسية، منح خلالها المتظاهرون مهلة 72 ساعة بداية من أول أمس، لانسحاب قوات برخان التي شرعت على مدار الأشهر الماضية على سحب وحداتها تدريجيا من كل القواعد التي كانت تحتلها في مالي.
وردّد المتظاهرون شعارات مناهضة للتواجد الفرنسي في بلادهم منها “برخان ارحل” و«برخان راعية وحليفة الجماعات الإرهابية” و«لا قوة أجنبية ستجعل من مالي غنيمة لها”.
وهي نفس الرسائل التي تتردد بكثرة منذ مدة في أوساط المناهضين لفرنسا ووسائط التواصل الاجتماعي التي لا يتوقف روادها من أبناء الشعب المالي عن التعبير عن تذمرهم ورفضهم للتواجد العسكري الفرنسي، الذي يرون أنه لم يحمل لبلادهم إلا مزيدا من الفقر وعدم الاستقرار واللاأمن.
وتصاعد الرفض الشعبي في مالي لكل ما هو فرنسي على وقع فشل القوات الفرنسية المنضوية تحت عملية “برخان” التي تغطي الساحل الإفريقي وقبلها عملية “سيرفال” في احتواء الوضع الأمني المنزلق في هذا البلد، حيث وجهت لهذه القوات انتقادات لاذعة واتهامات باستهداف حتى العزل من المدنيين في عملياتها العسكرية التي كانت تزعم أنها تقوم بها للقضاء على الإرهاب، وهو ما تسبب في تفجّر أزمة دبلوماسية بين باريس وباماكو التي أعابت على الأولى تخليها عنها في منتصف الطريق وطالبتها بنفض يديها من مالي.
ومع تأزم العلاقات بين الحليفين السابقين، أصبح الوجود الفرنسي في منطقة الساحل الإفريقي مهددا بتراجع اكبر وبخسارة باريس لجزء كبير من نفوذها في القارة السمراء، بعد أن قرر المجلس العسكري الحاكم في مالي إلغاء الاتفاقيات الدفاعية مع فرنسا وشركائه الأوروبيين.
وهو ما جعل محللين يشددون على أن قرار باماكو المفاجئ أخلط أوراق فرنسا التي اضطرت، مرغمة، الى مراجعة إستراتيجيتها العسكرية في منطقة الساحل، رغم أنهم يرون أن الأزمة مع باماكو عززت من جهة الحضور الفرنسي في دول إفريقية أخرى.