الشيخ لكبير سيد البشير: بعد نشر الموقع الجزائري dz54 المتخصص في الشؤون الأمنية، وثيقة مغربية مسربة موجهة لوسائل الاعلام المغربية تأمرهم بالتكتم على فضيحة هروب 14 ضابطاً مغربياً من سلاح المدفعية بالاراضي الصحراوية المحتلة، أعلنت حالة طوارئ قصوى، داخل دوائر سلطة المخزن، و أصدرت أوامر عليا للترسانة الإعلامية، بكل أنواعها مرئية و مسموعة و مكتوبة، مدعومة بالذباب الإلكتروني، هدفهم جميعاً واحد: تفنيد صحة الوثيقة و تكذيب محتواها، و إلصاق التهم بالجزائـر كالعادة.
صراع الأجنحة الاستخباراتية في المغرب، الداخلية (الحموشي) و الخارجية (المنصوري)، بدأ يتصدر واجهة الأحداث، بعد فشلهما في حماية أسرار الدولة المغربية، بعد الهزة التي أحدثها كشف أمر بيغاسوس و بعده فضيحة ماروك غيت، و من ثم خرج الفيديو الذي ظهر عبره محمد السادس يتسكع في شوارع باريس ليلاً ثملاً، و توالت الفضائح و الإنتكاسات، آخرها الوثيقة التي تحمل توقيع و ختم الحموشي.
الإرتباك بدأ واضحاً على المخزن، بعد إنتشار الوثيقة المسربة، أولاً فند صحتها من خلال الصحافة المقربة من الأجهزة الأمنية، ثم أصدر بياناً يتوعد فيه، من يقف خلف التسريب بالعقاب، و أخيراً تهجم كالعادة على الجزائر، بل و إتهمها بمحاولة زعزعة الإستقرار و ضرب المعنويات، و ردة الفعل هذه، شبيهة إلى حد بعيد بحالة الغريق، الذي يبحث عن طوق نجاة، يخرجه من حالة الخوف و الهلع و الإرتباك.
لماذا أصابع إتهام المخزن موجهة دائماً إلى الجزائر؟
يتبع نظام المخزن في المغرب، إستراتيجية باتت مكشوفة، تعتمد على تصدير أزماته الداخلية للخارج، و المتابع للمشهد السياسي، خاصة العلاقات المغربية الجزائرية، سيقف على إستنتاج، أن جل إنتكاسات الرباط و فشلها، تقف خلفه الجزائر، من وجهة نظر المخزن، و هذه الرواية باتت شعوب المنطقة، خاصة الرأي العام الجزائري و الصحراوي و المغربي محصنة ضدها، لأنهم أدركوا و تيقنوا، أنها ليست إلا أكاذيب لحفظ ماء الوجه.
سنة 2014 تم إختراق أرشيف الوثائق المغربية الرسمية ذات الطابع الخاص أو السري، ما عرف حينها بـ «ويكيليكس المغرب» أو «كريس كولمان»، و تم تسريب عدد كبير و هام جداً من الوثائق، و تناولت الفضيحة عدد كبير جداً من وسائل الإعلام الدولية، منها الجزيرة القطرية و فرانس 24 الفرنسية و CNN الأمريكية، و لم يجد وزير الخارجية المغربي حينها صلاح الدين مزوار، للدفاع عن سمعة بلاده غير ”شماعة الجزائر” و على خطاه صار الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية أنذاك مصطفى الخلفي، الذي إتهم الجزائر بالتسريبات.
هل برنامج بيغاسوس أيضاً جزائري؟
لعب نظام المخزن دور الضحية، جعله ينسى أو يتناسى، أن فضائحه باتت مادة دسمة روتينية لدى الرأي العام الدولي، و الشاهد برنامج التجسس بيغاسوس، الذي إستهدفت الرباط عبره شخصيات سياسية و إعلامية دولية، أبرزهم رئيس الحكومة الإسبانية الحالي و عدد من طقمه الحكومي، و الأمر ذاته قام به مع عدد من الوزراء والمسؤولين الفرنسيين، من أجل إبتزازهم و السيطرة على مواقفهم، خاصة ما تعلق منها بقضية الصحراء الغربية.
نسي المخزن أيضاً فضيحة «ماروك غيت»، التي دفعت عبرها الرباط أموال و قدمت علاوات و عرضت الذهب و الرحلات السياحية الفاخرة على نواب بالبرلمان الأوروبي، من أجل شراء مواقفهم من قضية الصحراء الغربية، و تمرير أجندة المغرب و الدفاع عن توجهاته، و بكشفها إنكشفت خيوط مخزنية خبيثة الهدف و الأسلوب، لا زالت المغرب إلى الآن تدفع ثمنها.
التضليل حرفة يتقنها المخزن لتغطية فضائحه.
الأنظمة التي تحترم نفسها، و تعمل على تصحيح أخطائها، بعد كل فضيحة، هناك جملة من القرارات و الإجراءات، من ضمنها الإستقالة و المحاسبة و الإعتراف. هذه الخطوات لا تناسب شخصية المخزن بالمغرب، الذي يواجه كل فضيحة، بإطلاق حملات التضليل بالجملة، و محاولة تفنيد الحقائق بالأكاذيب و المغالطات.
الوثيقة التي نشرها موقع DZ54، واجهها المخزن بإصدار أوامر لأذرعه الإعلامية، من أجل تكذيب صحتها و تفنيد محتواها، رغم أن كل المؤشرات تنبئ بأن الوثيقة صحيحة و ليست مزورة، إلا أن جهاز الحموشي حاول حماية نفسه من إرتداد هزة التسريب، و لم يجد من سند غير «الصحافة المأجورة» و «الذباب الإلكتروني»، و كلاهما لا صحة لما ينشر و لا مصداقية لما يتناول.
الجزاء من جنس العمل؛
ما يعيشه نظام المخزن الآن، من انشقاق داخل المؤسسة العسكرية، طبقاً لمحتوى الوثيقة التي تناولها موقع DZ54، و صراع الأجنحة الاستخباراتية ما ساهم بتزايد إنكشاف الفضائح المغربية الداخلية و الخارجية، هو ثمرة تراكم جملة من التجاوزات و ضعف التوجهات و التخبط، الذي تعيش على وقعه الأسرة الملكية المغربية أولاً، و من ثم هشاشة الشخصيات التي تحكم المغرب الآن.
المراقب للأوضاع في مغرب اليوم، سيدرك قرب إنهيار البلاد، الذي بات قاب قوسين أو أدنى: تسليم كل دواليب السلطة لتل أبيب خاصة الأمنية منها و العسكرية، و ما أظهره زلزال الحوز من ضعف خزينة الدولة و إحتياطها، و مدينوية خارجية فاقت كل التوقعات، علاوات عن الهجرة و استثمار الدولة في قوارب الموت، و ابتزاز أوروبا بأعدادهم كما فعلت مع إسبانيا سنة 2021.