نهاية إفريقيا الفرنسية..
تشير التطورات خلال السنوات الأخيرة إلى تصاعد المواقف الإفريقية الرافضة للنفوذ الفرنسي والتواجد العسكري الفرنسي على أراضيها، مما يعكس تحولًا في رؤية هذه الدول لعلاقاتها الخارجية نحو مزيد من الاستقلالية.
وشرعت في وقت سابق العديد من الدول الإفريقية بمطالبة فرنسا بمغادرة أراضيها، لا سيما دول الساحل (مالي والنيجر وبوركينافاسو) التي اتخذت إجراءات صارمة ضد الوجود الفرنسي بعد عقود من نفوذ باريس في هذه الدول.
السنغال وتشاد ترفضان التواجد الفرنسي
في تصريح لوكالة فرانس برس يوم أمس الخميس، أكد الرئيس السنغالي، باسيرو ديوماي فاي، أن وجود القواعد الفرنسية في بلاده يتعارض مع سيادتها الوطنية، مشيراً إلى أن السنغال دولة مستقلة والسيادة لا تتفق مع وجود قواعد عسكرية أجنبية في دولة ذات سيادة.
وقال الرئيس السنغالي، “بعد مرور 64 عاما على استقلال السنغال عن فرنسا، يتعيّن على السلطات الفرنسية أن تفكر في إقامة شراكة مجردة من الوجود العسكري، ولكنها شراكة غنية، شراكة مثمرة شراكة مميزة وشاملة كتلك التي تربطنا مع الكثير من الدول الأخرى”.
وأوضح المتحدث ذاته، أن بلاده تربطها علاقات وطيدة مع دول عدة مثل الصين وتركيا والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية و غيرها، كل هذه الدول ليست لديها أي قاعدة عسكرية في السنغال.
من جهته أعلن وزير الخارجية التشادي، عبد الرحمن كلام الله، أن بلاده ألغت اتفاقيات التعاون الأمني والدفاعي مع فرنسا، بعد ساعات قليلة على زيارة نظيره الفرنسي، جان نويل بارو، لنجامينا.
وقال وزير الخارجية التشادي عبد الرحمان كلام الله في بيان له إن “هذا القرار الذي اتخذ بعد تحليل معمق، يمثل نقطة تحول تاريخية”، ميضفاً “في الواقع، بعد 66 عاما على إعلان قيام جمهورية تشاد، حان الوقت لأن تؤكد تشاد سيادتها الكاملة، وأن تعيد تحديد شراكاتها الاستراتيجية بناء على الأولويات الوطنية”.
سياسية إفريقيا الفرنسية
رغم معارضة “الجنرال” ديغول فكرة استقلال المستعمرات الفرنسية السابقة، خاصة الجزائر، إلا أنه اضطر إلى قبول بالأمر مع تفريغه من مضمونه، بمعنى أن “الاستقلال لا يعني انتهاء التبعية”.
ودشن ديغول سياسة أطلق عليها “إفريقيا الفرنسية” ، وكانت عنوانا لاستراتيجية تقوم على تحقيق الهيمنة والتبعية معا، حيث أشرف مستشار ديغول آنذاك جاك فوكار، الذي أُطلق عليه لقب “مهندس الاستعمار الفرنسي الحديث في إفريقيا”، على وضع الآليات اللازمة لتنفيذ هذه الاستراتيجية عبر وسائل عدة:
• وسائل قانونية، تسمح بإيجاد نخب حاكمة تدين بالولاء التام لفرنسا، فغيرت الدستور والقانون في معظم هذه المستعمرات لتكريس نظام الحكم الرئاسي، الذي يعطي للرئيس صلاحيات واسعة بخلاف النظام البرلماني “البريطاني”، الذي يجعل للبرلمان الممثل للشعب الغلبة.
• وسائل عسكرية، من خلال تكبيل هذه النظم باتفاقيات دفاع عسكرية، تسمح لباريس بإقامة قواعد عسكرية دائمة، أو التدخل العسكري بناء على طلب هذه النظم، أو بصورة منفردة لدعم هذه النظم في مواجهة الانقلابات التي قد تتعرض لها، أو لحماية المصالح الفرنسية ذاتها.
• وسائل اقتصادية تتمثل في حصول الشركات الفرنسية على عقود استغلال الموارد الطبيعية بهذه الدول، مقابل حماية باريس لهذه الأنظمة، حيث تقدر هذه العقود بملايين الدولارات لموارد مثل: اليورانيوم والنفط والذهب وغيرها.
• وسائل ثقافية عبر التحكم في تشكيل الوعي الثقافي من خلال نشر اللغة الفرنسية والمراكز الثقافية، وإرسال النخبة الشابة في هذه الدول لتلقي تعليمهم الجامعي في فرنسا، فضلا عن التحكم في مناهج التعليم التي تضعها باريس